يُعدّ النوم أساسًا للصحة الجسدية والعقلية، فهو ليس مجرد وقت للراحة، بل عملية حيوية يقوم فيها الجسم بإصلاح الخلايا، وتنظيم الهرمونات، وتعزيز المناعة. ومع ذلك، يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من اضطرابات النوم والأرق، مما ينعكس بشكل مباشر على صحة القلب والجهاز المناعي. تشير الدراسات الحديثة إلى أن قلة النوم المزمنة ترفع خطر الإصابة بأمراض القلب، وترهق الجهاز العصبي، وتضعف قدرة الجسم على مواجهة العدوى. وفي ظل ارتفاع معدلات التوتر ونمط الحياة السريع، أصبح فهم العلاقة بين اضطرابات النوم أو الأرق وصحة القلب والمناعة ضرورة ملحّة.
في هذا المقال، سنقدّم شرحًا وافيًا، حول كيف يؤثّر الأرق وقلة النوم على الجسم، وما الذي يحدث للقلب والجهاز المناعي أثناء الحرمان من النوم، مع تقديم خطوات عملية لتحسين جودة النوم وتقليل المخاطر الصحية.
اضطرابات النوم والأرق… ماذا يحدث داخل الجسم؟
اضطرابات النوم والأرق عبارة عن مجموعة من الحالات التي تمنع الشخص من الحصول على نوم عميق ومريح، مثل الأرق، توقف التنفس أثناء النوم، متلازمة الساقين، النوم المتقطع، اضطراب الساعة البيولوجية. عند حدوث أي من هذه الحالات، يبدأ الجسم بالدخول في حالة “توتر فسيولوجي”، حيث يفرز هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين التي تزيد معدل ضربات القلب وترفع ضغط الدم تدريجيًا. كما تتأثر مناطق في الدماغ مسؤولة عن الذاكرة والتركيز وتنظيم العواطف، مما يجعل الشخص أكثر عرضة للقلق والتهيج خلال النهار.
في الوقت نفسه، يتأثر النظام الهرموني الذي يتحكم في الجوع والشبع، فقلة النوم ترفع هرمون الجريلين المسؤول عن الشهية، وتقلل اللبتين الذي يكبح الجوع، ما يزيد خطر السمنة—وهي عامل رئيسي لأمراض القلب. ومع كل ليلة من النوم غير الكافي، تتضاعف هذه التأثيرات، مما يضع الجسم في حلقة مستمرة من الإجهاد البدني والعقلي. لذلك يعتبر النوم العميق ضرورة يومية، وليس مجرد رفاهية يمكن الاستغناء عنها.
كيف تؤثر اضطرابات النوم والأرق على صحة القلب والأوعية الدموية؟
أثبتت الأبحاث الحديثة أن اضطرابات النوم والأرق يزيدان بشكل كبير من خطر الإصابة بأمراض القلب، مثل تصلّب الشرايين، ارتفاع ضغط الدم، عدم انتظام نبضات القلب، والجلطات. السبب الرئيسي يعود إلى زيادة نشاط الجهاز العصبي الودي، المسؤول عن استجابة “الهروب أو المواجهة”، والذي يُفترض أن يهدأ أثناء النوم. ولكن عند النوم القليل أو المتقطع، يبقى هذا الجهاز نشطًا طوال الليل، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة العبء على عضلة القلب.
كما أن الحرمان من النوم واضطرابات النوم أو الأرق يمنع الجسم من إصلاح بطانة الأوعية الدموية، وهي عملية تحدث خلال النوم العميق. ومع مرور الوقت، تصبح الأوعية أكثر عرضة للالتهاب وتراكم الدهون، مما يسبب تضيق الشرايين وارتفاع احتمال الإصابة بالجلطات القلبية. وتشير دراسات عالمية إلى أن الأشخاص الذين ينامون أقل من 6 ساعات يوميًا لديهم خطر أعلى بنسبة قد تصل إلى 30% لتطوير أمراض القلب مقارنة بمن يحصلون على نوم كافٍ. وهنا يتضح أن النوم ليس راحة فقط، بل جزء أساسي من الوقاية القلبية.
قد يعجبك أيضا: تكيس المبايض (PCOS): الأعراض، الأسباب، وخيارات العلاج الحديثة
النوم والمناعة… علاقة مباشرة لا يمكن تجاهلها
الجهاز المناعي يعتمد بشكل كبير على النوم العميق ليؤدي وظائفه بكفاءة. أثناء النوم، يفرز الجسم بروتينات تُسمّى السيتوكينات، وهي مواد ضرورية لمواجهة الفيروسات والبكتيريا وتنظيم الالتهاب. عندما يعاني الشخص من الأرق أو اضطرابات النوم المزمنة، ينخفض إنتاج هذه السيتوكينات الأساسية، ما يجعل الجسم أقل قدرة على الدفاع عن نفسه.
كما أن اضطرابات النوم أو الأرق تؤثر على نشاط الخلايا المناعية الأخرى، مثل الخلايا التائية التي تهاجم العدوى، والخلايا القاتلة الطبيعية التي تُدمّر الفيروسات والخلايا السرطانية. وقد وجدت دراسات أن ليلة واحدة من النوم السيئ قد تقلل نشاط هذه الخلايا بنسبة تصل إلى 70%. لهذا السبب نلاحظ أن الأشخاص الذين لا ينامون جيدًا أكثر عرضة لنزلات البرد والإنفلونزا والعدوى المتكررة.
وبالإضافة إلى ذلك، تؤدي اضطرابات النوم أو الأرقإلى زيادة الالتهاب المزمن في الجسم، وهو عامل رئيسي في العديد من الأمراض مثل السكري وأمراض القلب والمناعة الذاتية. لذلك فإن النوم الجيد هو خط الدفاع الأول للحفاظ على مناعة قوية.
الأرق والصحة النفسية… حلقة مترابطة
اضطرابات النوم والأرق لا تؤثر فقط على الجسد، بل تمتد لتشمل الصحة النفسية والعقلية. فالنوم غير الكافي يزيد نشاط المناطق الدماغية المرتبطة بالخوف والقلق، ويقلل من فعالية مناطق التحكم العاطفي. النتيجة هي زيادة التوتر، سرعة الانفعال، ضعف التركيز، وتسارع الأفكار السلبية. كثير من الدراسات تشير إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الأرق أكثر عرضة للإصابة بـ الاكتئاب والقلق واضطرابات المزاج.
وفي المقابل، تؤدي الأمراض النفسية إلى اضطرابات في النوم، مما يجعل الأمر حلقة مغلقة يصعب كسرها دون تدخل مناسب. كما أن قلة النوم تؤثر على الطاقة اليومية، مما يقلل الإنتاجية، ويؤدي إلى فقدان القدرة على اتخاذ القرارات، ويزيد احتمالات الأخطاء والحوادث، خصوصًا لدى السائقين والطلاب والعاملين في المهن الدقيقة. النوم الكافي لذلك ليس رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على الصحة النفسية والاستقرار العاطفي.

كيف تعرف أنك تعاني من اضطراب في النوم؟
توجد عدة علامات تساعدك على معرفة ما إذا كنت تعاني من اضطرابات النوم أو الأرق، منها صعوبة النوم عند بداية الليل، الاستيقاظ المتكرر، الاستيقاظ مبكرًا دون القدرة على العودة للنوم، أو الشعور بعدم الراحة رغم النوم لساعات كافية. كما قد تظهر أعراض مثل الصداع الصباحي، جفاف الفم، الشعور بالنعاس الشديد خلال النهار، ضعف التركيز، أو تراجع الأداء في العمل والدراسة.
من العلامات المهمة أيضًا الشخير المرتفع، توقف التنفس أثناء النوم، الحركة المستمرة في الساقين، أو الشعور بأن النوم خفيف وغير عميق. إذا كنت تحصل على 7–9 ساعات من النوم ومع ذلك تشعر بالإرهاق، فهذه أيضًا علامة تشير لوجود مشكلة في جودة النوم.
تحديد نوع اضطراب النوم خطوة أساسية في العلاج، لذلك قد يُطلب إجراء تقييم للنوم أو دراسة للنبض والتنفس أثناء الليل، خصوصًا إذا كانت الأعراض مستمرة لأكثر من ثلاثة أشهر.
خطوات فعّالة لتحسين جودة النوم وحماية القلب والمناعة والتخلص من اضطرابات النوم أو الأرق
لتحسين جودة النوم وتقليل تأثير الأرق على القلب والمناعة، من الضروري اتباع مجموعة من العادات العلمية التي أثبتت فعاليتها. أهمها تثبيت مواعيد النوم والاستيقاظ يوميًا حتى في عطلة نهاية الأسبوع، لأن ذلك يعيد ضبط الساعة البيولوجية. كما يُفضّل تجنب الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بساعة على الأقل، لأنها تؤثر على إفراز الميلاتونين، الهرمون المسؤول عن النوم.
الابتعاد عن المنبهات مثل القهوة والشاي قبل النوم بـ 6 ساعات يساعد بشكل كبير، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول عشاء خفيف، والحفاظ على غرفة نوم هادئة ومظلمة وذات حرارة معتدلة. يمكن أيضًا تجربة تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق والتأمل.
ولمن يعاني أرقًا مزمنًا، من المهم زيارة الطبيب لتقييم الحالة، فقد تكون هناك أسباب أخرى مثل نقص الفيتامينات، اضطرابات الغدة الدرقية، أو توقف التنفس أثناء النوم. العلاج المبكر يساهم في حماية القلب، وتقوية المناعة، واستعادة الحيوية والنشاط اليومي.
للمزيد من المعلومات الطبية القيمة يرجى متابعة صفحاتنا على السوشال ميديا

