عندما نذكر “الصدفية”، يخطر ببال معظم الناس تلك البقع الجلدية الحمراء التي تغطيها قشور بيضاء، والمصحوبة بالحكة والانزعاج. يُعتقد غالبًا أنها مجرد حالة جلدية مزعجة. لكن الحقيقة الطبية الصادمة التي لا يعرفها كثيرون أن الصدفية ليست مجرد مرض جلدي، بل هي اضطراب مناعي معقد يمكن أن يمتد إلى ما هو أعمق بكثير من الجلد… إلى المفاصل. هذا الشكل من المرض يُعرف بـ التهاب المفاصل الصدفي )، وهو نوع من أنواع التهابات المفاصل المزمنة التي تصيب حوالي 30% من مرضى الصدفية.
إن التهاب المفاصل الصدفي لا يظهر دائمًا بعد الإصابة الجلدية، بل قد يسبقها أحيانًا أو يكون خفيًا، مما يصعّب تشخيصه. وغالبًا ما يتجاهل المرضى آلام المفاصل والركب والظهر، معتبرين إياها نتيجة للإجهاد أو التقدم في العمر، دون أن يدركوا أنها مؤشر على تطور الصدفية إلى مرحلة روماتيزمية خطيرة. وإذا لم يتم تشخيص هذا النوع من الالتهاب في الوقت المناسب، فقد يؤدي إلى تلف المفاصل بشكل دائم ويُعيق القدرة على الحركة.
في هذا المقال، سنأخذك في رحلة معرفية طبية لفهم العلاقة بين الصدفية والمفاصل، وكيف يتحول مرض جلدي مزمن إلى حالة روماتيزمية مؤلمة. سنتحدث عن الأعراض، والأسباب، وآليات التشخيص، وأحدث طرق العلاج، بالإضافة إلى نصائح فعالة للتعامل مع هذا المرض بطريقة تحفظ الصحة وجودة الحياة. تابع القراءة لتكتشف ما لا يخبرك به كثيرون عن هذا المرض الصامت.

ما هي الصدفية؟ ولماذا ترتبط بالمفاصل؟
الصدفية مرض مناعي مزمن يُصيب الجلد، ويحدث عندما يُهاجم الجهاز المناعي خلايا الجلد عن طريق الخطأ، مما يؤدي إلى تسارع عملية تجديد الجلد وظهور بقع متقشرة سميكة على سطح البشرة. وهي ليست مرضًا معديًا، بل ناتج عن خلل في جهاز المناعة. لكن الأمر لا يقف عند الجلد فقط، فقد أثبتت الدراسات أن الصدفية تؤثر على الجسم كله، وخاصة المفاصل.
التهاب المفاصل الصدفي يحدث نتيجة نفس الاضطراب المناعي، حيث يبدأ الجسم في مهاجمة الأنسجة المفصلية، مما يؤدي إلى التورم، والتيبس، والألم. وتظهر هذه الأعراض غالبًا في الأصابع، الركبتين، الكاحلين، وأسفل الظهر. قد تبدأ الأعراض بشكل بسيط، ثم تتطور مع مرور الوقت إذا لم يتم العلاج.
من المهم معرفة أن الصدفية والتهاب المفاصل الصدفي لا يسيران دائمًا جنبًا إلى جنب، فبعض الأشخاص يُصابون بالمفاصل أولًا دون أي علامات جلدية، مما يُصعّب التشخيص ويؤخر التدخل العلاجي. لهذا السبب، يجب على أي مريض صدفية أن يكون على دراية بإمكانية هذا التطور، وأن يُتابع حالته مع طبيب مختص بالروماتيزم والجلدية معًا.
الدكتورة أسيلة نبيل برقان- اخصائية الروماتيزم والمفاصل الرثوية وامراض المناعة
أعراض التهاب المفاصل الصدفي: متى تقلق؟
التهاب المفاصل الصدفي لا يظهر بنفس الطريقة عند الجميع، وقد تختلف الأعراض من شخص لآخر، ولكن هناك علامات يجب عدم تجاهلها أبدًا. من أبرزها:
- ألم وتيبس في المفاصل، خاصة في الصباح أو بعد فترات من الراحة.
- تورم الأصابع أو أصابع القدم بالكامل بشكل يشبه “النقانق” (dactylitis).
- آلام في الكعب أو أسفل الظهر.
- إرهاق مزمن لا يتناسب مع المجهود المبذول.
- احمرار وحرارة في المفصل المصاب.
- تغيرات في الأظافر مثل التقشر أو الانفصال عن الإصبع.

إذا كنتِ تعانين من الصدفية الجلدية، وظهرت عليكِ هذه الأعراض، فذلك يدق ناقوس الخطر لاحتمالية الإصابة بالتهاب المفاصل الصدفي. والأهم من ذلك، أن التشخيص المبكر يُحدث فرقًا هائلًا في جودة العلاج، حيث يمكن تأخير أو حتى إيقاف تآكل المفاصل عند بدء العلاج في المراحل المبكرة. لذلك، لا تتجاهلي الأوجاع المتكررة أو الصعبة التفسير.
ما أسباب الإصابة بالتهاب المفاصل الصدفي؟
الأسباب الدقيقة لهذا المرض لا تزال قيد الدراسة، لكن الباحثين يُرجحون أنه ناتج عن تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والجهاز المناعي والبيئة المحيطة. أبرز الأسباب والعوامل المحفزة تشمل:
- الوراثة: وجود تاريخ عائلي من الصدفية أو أمراض الروماتيزم يزيد من احتمالية الإصابة.
- خلل في الجهاز المناعي: يبدأ الجسم في مهاجمة الأنسجة السليمة بدلًا من الأجسام الغريبة.
- العدوى الفيروسية أو البكتيرية قد تُحفز نشاط الجهاز المناعي بشكل غير طبيعي.
- التوتر والضغط النفسي، إذ يُعد من أشهر محفزات نوبات الصدفية والتهاب المفاصل.
- الإصابات الجسدية أو العمليات الجراحية قد تُسبب تفعيل الجهاز المناعي بطريقة خاطئة.
من المهم أيضًا معرفة أن بعض العوامل مثل زيادة الوزن، التدخين، ونمط الحياة الخامل قد تُزيد من شدة الأعراض وتُعقّد عملية العلاج. لذا فإن التوعية بأسلوب الحياة الصحي له دور كبير في تقليل فرص تطور المرض.
التشخيص: كيف يُمكن التأكد من الإصابة؟
تشخيص التهاب المفاصل الصدفي قد يكون تحديًا للطبيب، خاصة في الحالات التي تظهر فيها أعراض المفاصل قبل الجلد. لا يوجد اختبار وحيد يُؤكد المرض، بل يعتمد التشخيص على الربط بين الأعراض، التاريخ الطبي، والفحوصات المختلفة. من أبرز أدوات التشخيص:
- الفحص السريري: لملاحظة التورم، الاحمرار، والتيبس في المفاصل.
- اختبارات الدم: لاستبعاد أمراض أخرى مثل الروماتويد (RA) أو الذئبة الحمراء، علمًا أن التهاب المفاصل الصدفي غالبًا ما يكون عامل الروماتويد فيه سلبيًا.
- الأشعة السينية أو الرنين المغناطيسي: لكشف أي تآكل أو تلف في المفاصل.
- تحليل سائل المفصل: في بعض الحالات لاستبعاد الالتهاب البكتيري أو النقرس.
التشخيص الدقيق لا يهدف فقط إلى معرفة المرض، بل أيضًا إلى تحديد شدة الحالة ونوع العلاج المناسب، لذلك من الضروري أن يتم على يد طبيب مختص في الأمراض الروماتيزمية، ويفضل التعاون مع طبيب جلدية أيضًا.
العلاج: هل يمكن السيطرة على المرض؟
نعم، ولكن لا يوجد علاج شافٍ حتى الآن. الهدف من العلاج هو السيطرة على الالتهاب، تخفيف الألم، ومنع تلف المفاصل. يعتمد العلاج على شدة الحالة واستجابتها، ويشمل:
- الأدوية المضادة للالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) لتخفيف الألم والتورم.
- الأدوية المعدلة للمناعة مثل الميثوتركسيت أو السلفاسالازين.
- العلاجات البيولوجية الحديثة التي تستهدف الجزيئات المسببة للالتهاب (مثل الإينفليكسيماب وأداليموماب).
- الكورتيزون في بعض الحالات لتخفيف الالتهاب السريع.
- العلاج الطبيعي وتمارين الحركة للحفاظ على مرونة المفاصل وتقوية العضلات.
تُظهر العلاجات البيولوجية تقدمًا مذهلًا في السيطرة على المرض، لكنها تتطلب متابعة طبية دقيقة، وقد تكون مرتفعة التكلفة. كما أن العلاج المبكر والمتابعة المنتظمة هما العامل الأهم في تقليل مضاعفات المرض.
نصائح يومية للتعايش مع الصدفية والتهاب المفاصل
إذا كنتِ مصابة بالصدفية أو التهاب المفاصل الصدفي، فهناك مجموعة من الخطوات البسيطة التي قد تُساعدك على تقليل الأعراض وتحسين جودة حياتك:
- اتبعي نظامًا غذائيًا مضادًا للالتهابات: غني بالأوميغا 3، الفواكه، والخضروات، وابتعدي عن السكريات والدهون المصنعة.
- مارسي الرياضة بانتظام: مثل المشي أو اليوغا، للحفاظ على مرونة المفاصل.
- تجنبي التوتر: من خلال تمارين التنفس والتأمل، إذ أن الضغط النفسي يُحفز الأعراض.
- اعتني ببشرتك: استخدمي مرطبات طبية وخففي من محفزات الصدفية مثل الصابون القاسي والماء الساخن.
- توقفي عن التدخين وقللي الكافيين، فلهما أثر سلبي على تطور المرض.
بالمتابعة المستمرة والتوعية الجيدة، يمكن للمريضة أن تحافظ على نمط حياة طبيعي ومليء بالنشاط، وتتجنب المضاعفات طويلة المدى.
للمزيد من المعلومات الطبية القيمة يرجى متابعة صفحاتنا على السوشال ميديا