يُعد الكتف المتجمد (Frozen Shoulder) من أكثر المشكلات المزعجة التي تصيب مفصل الكتف، حيث يؤدي إلى تيبّس شديد وألم متواصل يُعيق الحركات اليومية البسيطة مثل ارتداء الملابس أو رفع الذراع. لا يحدث هذا المرض بشكل مفاجئ، بل يتطور تدريجيًا على مدى أشهر، مما يجعل الشخص يشعر بأن كتفه أصبح “مقيدًا” وغير قادر على التحرك بحرية. يمر الكتف المتجمد بثلاث مراحل رئيسية، تبدأ بألم متزايد، ثم تيبّس شديد، وأخيرًا استعادة تدريجية للحركة. ولكن لماذا يحدث هذا التيبّس؟ وهل هناك طرق فعالة لعلاجه؟
على الرغم من أن السبب الدقيق للكتف المتجمد لا يزال غير مفهوم تمامًا، إلا أن هناك عوامل معروفة تزيد من خطر الإصابة به، مثل الإصابات السابقة، مرض السكري، والتهابات المفاصل. وعادةً ما يكون العلاج مزيجًا بين العلاج الطبيعي، الأدوية المسكنة، وفي بعض الحالات، التدخلات الطبية المتقدمة. في هذا المقال، سنناقش بالتفصيل أسباب حدوث الكتف المتجمد، مراحله المختلفة، وأفضل العلاجات المتاحة لاستعادة الحركة والتخلص من الألم.
لماذا يحدث الكتف المتجمد؟ العوامل المؤدية لتيبّس المفصل
الكتف هو أحد أكثر المفاصل تعقيدًا في الجسم، حيث يتكون من تركيبة معقدة من الأربطة، الأوتار، والعظام التي تمنح الذراع نطاقًا واسعًا من الحركة. في الحالة الطبيعية، يكون الكتف مغلفًا بكبسولة مفصلية مليئة بسائل زلالي يساعد في الحركة السلسة. ولكن عندما يصاب الشخص بالكتف المتجمد، تصبح هذه الكبسولة سميكة وملتهبة، مما يؤدي إلى تكوّن نسيج ليفي متصلب يقلل من مرونة المفصل. والنتيجة؟ حركة محدودة وألم مستمر.
هناك عدة عوامل تؤدي إلى الإصابة بالكتف المتجمد، منها:
- الإصابات والجراحات السابقة: عندما يُصاب الكتف بخلع أو كسر، أو بعد العمليات الجراحية مثل إصلاح تمزق الأوتار، فإن الشخص قد يتجنب تحريكه لفترة طويلة خوفًا من الألم، مما يؤدي إلى تصلب الأنسجة وتيبّس المفصل.
- الأمراض المزمنة: الأشخاص المصابون بالسكري، أمراض القلب، أو أمراض الغدة الدرقية هم أكثر عرضة للإصابة بالكتف المتجمد، بسبب التغيرات الأيضية التي تؤثر على الأنسجة الضامة.
- الالتهابات المفصلية: التهاب المفاصل الروماتويدي والتهابات الأوتار المزمنة قد تؤدي إلى زيادة سماكة الكبسولة المفصلية، مما يحد من مرونة الكتف.
- عدم الحركة لفترات طويلة: يمكن أن يؤدي النوم بوضعية خاطئة أو الجلوس لفترات طويلة دون تحريك الذراع إلى تيبّس العضلات المحيطة بالمفصل، مما يسهم في تصلبه بمرور الوقت.

مراحل تطور الكتف المتجمد وأعراض كل مرحلة
لا يحدث الكتف المتجمد بين عشية وضحاها، بل يتطور عبر ثلاث مراحل رئيسية، قد تستغرق كل منها عدة أشهر:
- المرحلة الأولى – مرحلة الألم (Freezing Stage):
في هذه المرحلة، يبدأ الشخص بالشعور بألم خفيف في الكتف يزداد تدريجيًا مع مرور الوقت. يكون الألم أكثر وضوحًا في الليل وعند محاولة تحريك الذراع، مما يدفع المريض إلى تقليل استخدامه، وهذا يزيد من التيبّس. تستمر هذه المرحلة عادةً ما بين 6 إلى 9 أشهر، وهي الأكثر إزعاجًا للمصاب. - المرحلة الثانية – مرحلة التجمّد (Frozen Stage):
هنا يصبح الألم أقل حدة لكنه يستمر، بينما يزداد التيبّس ويصبح تحريك الكتف صعبًا للغاية. يشعر الشخص وكأن كتفه أصبح “مقيدًا”، ولا يمكنه رفع ذراعه فوق مستوى الرأس. هذه المرحلة تستمر بين 4 إلى 12 شهرًا، وتعد الأصعب من حيث فقدان الحركة. - المرحلة الثالثة – مرحلة الذوبان (Thawing Stage):
في هذه المرحلة، يبدأ الكتف في استعادة مرونته تدريجيًا، وتتحسن الحركة ببطء. قد تستمر هذه المرحلة ما بين 6 أشهر إلى سنتين، ويتطلب الأمر علاجًا طبيعيًا منتظمًا لاستعادة الوظيفة الكاملة للمفصل.
أفضل العلاجات للتخلص من الكتف المتجمد واستعادة الحركة
على الرغم من أن الكتف المتجمد قد يبدو حالة طويلة الأمد، إلا أن هناك العديد من العلاجات الفعالة التي يمكن أن تسرّع من عملية الشفاء وتخفيف الألم:

- العلاج الطبيعي:
يُعتبر العلاج الطبيعي هو الحل الأساسي في معظم الحالات، حيث يركز على تمارين التمدد التدريجية التي تساعد على زيادة مرونة المفصل وتحفيز الدورة الدموية. يتم تدريب المريض على تمارين تقوية العضلات، وتمارين زيادة نطاق الحركة مثل تحريك الكتف بحركات دائرية خفيفة. - الأدوية المسكنة ومضادات الالتهاب:
يمكن استخدام المسكنات مثل الإيبوبروفين أو الباراسيتامول لتخفيف الألم، كما قد يوصي الطبيب بأدوية مضادة للالتهاب إذا كان هناك التهاب شديد. - حقن الكورتيزون:
في بعض الحالات، قد يلجأ الأطباء إلى حقن الكورتيزون مباشرة في مفصل الكتف لتخفيف الالتهاب وتقليل الألم، مما يساعد في تحسين القدرة على تحريك الكتف بشكل أسرع. - العلاج بالموجات فوق الصوتية والحرارة:
تساعد جلسات العلاج الطبيعي باستخدام الموجات فوق الصوتية والتدفئة العميقة في تقليل تيبّس العضلات وتحفيز استرخاء الأنسجة المحيطة بالمفصل. - التدخل الجراحي (كحل أخير):
إذا استمرت الحالة لفترة طويلة دون تحسن، قد يلجأ الأطباء إلى تحرير الكتف المتجمد عن طريق الجراحة بالمنظار، حيث يتم إزالة الأنسجة الليفية المتصلبة جراحيًا لاستعادة حركة المفصل. ومع ذلك، فإن هذه الحالات نادرة، وغالبًا ما يكون العلاج الطبيعي كافيًا.
كيف تمنع إصابتك بالكتف المتجمد قبل فوات الأوان؟
الوقاية دائمًا أفضل من العلاج، وعندما يتعلق الأمر بالكتف المتجمد، فإن خطوات بسيطة يمكن أن توفر عليك شهورًا أو حتى سنوات من الألم والمعاناة. تخيل أنك تستيقظ صباحًا لتجد أن كتفك لا يتحرك كما كان بالأمس، وأن رفع يدك لتمشيط شعرك أصبح تحديًا مؤلمًا. هذا ليس سيناريو خياليًا، بل واقع يعيشه آلاف الأشخاص بسبب إهمال صحة الكتف. لكن كيف يمكن منع حدوث هذه المشكلة قبل أن تتفاقم؟
أحد أهم العوامل التي تساهم في الوقاية هو الحفاظ على حركة الكتف بشكل مستمر. الجلوس لساعات طويلة دون تحريكه، خاصة بعد الإصابات أو العمليات الجراحية، يزيد من فرص تيبّسه. لذلك، حتى لو كنت تشعر بألم بسيط، لا تهمل تمارين التمدد اليومية، مثل رفع الذراعين بشكل دائري أو تحريك الكتف للأمام والخلف بلطف. الحركة المنتظمة تحافظ على مرونة الكبسولة المفصلية وتمنع تراكم الأنسجة الليفية المسببة للتصلب.
الدكتور وسيم زياد صالح – علاج الكتف المتجمد
كذلك، لا تقلل من شأن التغذية الصحية والمكملات الداعمة للمفاصل، مثل الأوميغا-3، الكولاجين، وفيتامين D، التي تلعب دورًا أساسيًا في تقليل الالتهابات والحفاظ على قوة الأوتار والعضلات المحيطة بالمفصل. كما أن تجنب التدخين، الذي يقلل تدفق الدم إلى المفاصل، يمكن أن يحدث فرقًا هائلًا في حماية الكتف من التيبّس.
أما إذا كنت تعاني من أمراض مزمنة مثل السكري أو اضطرابات الغدة الدرقية، فمن الضروري التحكم بها بانتظام، لأن ارتفاع مستويات السكر في الدم يزيد من خطر تصلب المفاصل. لا تنتظر حتى يصبح الألم غير محتمل، بل اجعل الوقاية أسلوب حياة، لأن الاهتمام البسيط اليوم يمكن أن ينقذك من معاناة طويلة في المستقبل!
يعد الكتف المتجمد حالة شائعة لكنها قابلة للعلاج إذا تم التعامل معها بشكل صحيح. مفتاح التعافي هو التحرك المبكر وعدم إهمال الألم الأولي، حيث يمكن أن تؤدي الوقاية المبكرة إلى منع تطور التيبّس. من خلال الالتزام بالعلاج الطبيعي، واتباع النصائح الطبية، يمكن لمعظم الأشخاص استعادة وظائف كتفهم بشكل كامل دون الحاجة إلى جراحة. إذا كنت تعاني من ألم في الكتف وتشعر بأن حركته بدأت في التقييد، فلا تتردد في استشارة الطبيب، لأن التشخيص المبكر هو المفتاح للشفاء السريع!
للمزيد من المعلومات الطبية القيمة يرجى متابعة صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي