لطالما ارتبط شكل البطن المنتفخ، أو ما يُعرف شعبيًا بـ”الكرش”، بالمظهر الخارجي غير المرغوب فيه، وغالبًا ما يُنظر إليه كمجرد عيب جمالي. ولكن الحقيقة الصادمة التي بدأت الأبحاث الطبية تُسلط الضوء عليها هي أن الكرش ليس مجرد دهون سطحية، بل هو إنذار صامت لمشاكل صحية قد تكون في طور التكوّن داخل جسدك! فدهون البطن العميقة، خاصة تلك التي تُحيط بالأعضاء الداخلية، تعتبر اليوم من أخطر أنواع الدهون، حيث ترتبط بشكل مباشر بزيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة قاتلة مثل السكري، وأمراض القلب، والضغط، والكبد الدهني، وحتى السرطان.
الكرش لم يعد مجرد مشكلة تتعلق بالوزن أو الشكل، بل تحوّل إلى مؤشر صحي بالغ الأهمية يُنذر بمشاكل أعمق قد لا تظهر أعراضها إلا بعد فوات الأوان. ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا هو أن كثيرًا من الأشخاص النحفاء قد يُعانون من دهون بطن خطيرة دون أن تبدو عليهم مظاهر السمنة، وهو ما يُعرف بـ”السمنة الخفية” أو TOFI (Thin Outside, Fat Inside). في هذا المقال، سنكشف لك الحقيقة الكاملة وراء دهون البطن: كيف تتكوّن؟ ولماذا هي أخطر من غيرها؟ وكيف تؤثر على أعضاء الجسم المختلفة؟ والأهم… كيف يمكن التخلص منها بطرق فعالة ومستدامة؟
ما هو الكرش؟ ولماذا دهون البطن خطيرة أكثر من غيرها؟
الكرش ليس مجرد تجمع دهون تحت الجلد، بل يتضمن أيضًا ما يُعرف بـ”الدهون الحشوية” التي تحيط بالأعضاء الداخلية مثل الكبد، البنكرياس، والأمعاء. هذه الدهون لا تُرى بالعين المجردة ولكنها الأكثر خطورة على الصحة. على عكس الدهون الموجودة في الفخذين أو الأرداف، فإن دهون البطن تُفرز مركبات التهابية وهرمونات تخلّ بالتوازن الطبيعي للجسم، ما يؤدي إلى زيادة مقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، وتراكم الدهون في الكبد. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن محيط الخصر الذي يتجاوز 102 سم لدى الرجال و88 سم لدى النساء يُعد مؤشرًا قويًا لخطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
دهون البطن ليست خاملة، بل تُعد “غدة نشطة” تنتج مواد كيميائية تؤثر سلبًا على الجسم، وتزيد من خطر الإصابة بالأمراض القلبية والتمثيل الغذائي. لذلك، الكرش لم يعد مجرد مسألة شكل، بل تحوّل إلى “علامة تحذيرية طبية” يجب التعامل معها بجدية شديدة.
أسباب تكون الكرش: لماذا نكتسب دهون البطن بسهولة؟
الكثير يعتقد أن الكرش ينتج فقط من كثرة الأكل، لكن الحقيقة أن هناك أسبابًا متعددة ومعقدة تؤدي لتراكم دهون البطن. أولها النظام الغذائي الغني بالسكريات والكربوهيدرات المكررة مثل الخبز الأبيض والمشروبات الغازية، والتي تُخزن بسرعة على شكل دهون في منطقة البطن. ثانيًا، قلة الحركة، حيث يؤدي الجلوس لفترات طويلة دون نشاط بدني إلى خفض معدل الحرق، ما يسهم في تراكم الدهون. ثالثًا، الضغط النفسي الذي يُحفز إفراز هرمون الكورتيزول، والذي يُشجّع بدوره على تخزين الدهون في منطقة البطن بشكل خاص.
أيضًا، هناك أسباب هرمونية مثل اضطراب الغدة الدرقية أو انخفاض مستويات التستوستيرون عند الرجال، أو حتى انقطاع الطمث عند النساء. لا ننسى أن قلة النوم وقلة شرب الماء أيضًا من العوامل التي تؤدي لزيادة الكرش. ببساطة، الكرش نتيجة تداخل معقّد بين نمط الحياة، والعوامل النفسية، والهرمونات، والعادات اليومية الخاطئة.

الكرش وأمراض القلب: كيف تدمر دهون البطن صحة قلبك؟
من أخطر ما تسببه دهون البطن أنها تُهدد صحة القلب بشكل مباشر. هذه الدهون تفرز بروتينات التهابية مثل CRP التي تزيد من تهيج الأوعية الدموية وتُساهم في تصلب الشرايين. كما تؤدي إلى ارتفاع مستويات الكوليسترول الضار (LDL) وانخفاض الكوليسترول الجيد (HDL)، مما يُزيد من احتمالية حدوث الجلطات. الدراسات أثبتت أن الأشخاص الذين يُعانون من محيط خصر كبير لديهم فرصة أعلى للإصابة باحتشاء عضلة القلب، والسكتات الدماغية، وارتفاع ضغط الدم.
حتى لو كان وزن الشخص طبيعيًا، فإن وجود دهون في البطن فقط يُضاعف من خطر الإصابة القلبية. وهذا ما يجعل الكرش عامل خطر مستقل تمامًا عن مؤشر كتلة الجسم (BMI). لذلك، إن كنت تهتم بصحة قلبك، فمحاربة الكرش ليست خيارًا تجميليًا بل ضرورة حياتية.
الكرش والسكري والكبد الدهني: علاقة خطيرة لا تُهمل
دهون البطن لا تكتفي فقط بإضعاف القلب، بل تلعب دورًا أساسيًا في ظهور مرض السكري من النوع الثاني. حيث تؤدي إلى انخفاض حساسية الجسم للأنسولين، وبالتالي ترتفع نسبة السكر في الدم. كما أنها تُعرقل وظائف الكبد، ما يؤدي إلى تراكم الدهون داخله، وهي حالة تُعرف باسم الكبد الدهني غير الكحولي (NAFLD)، والتي تُعد من أسرع الأمراض المزمنة انتشارًا حول العالم.
الكبد الدهني قد يسبب التهابات مزمنة تؤدي لاحقًا إلى تليف الكبد، وحتى سرطان الكبد. وتزيد دهون البطن من احتمالية حدوث هذا السيناريو بشكل كبير. ومن هنا تتضح خطورة الكرش، فهو لا يهدد الشكل الخارجي فحسب، بل يهاجم الأعضاء الحيوية من الداخل دون إنذار واضح.
كيف تتخلص من الكرش بشكل صحي وآمن؟
التخلص من الكرش لا يتطلب حلولًا سحرية أو حميات قاسية، بل يحتاج إلى تغيير شامل في نمط الحياة. أول خطوة هي الالتزام بنظام غذائي متوازن يعتمد على تقليل السكريات والدهون المهدرجة، وزيادة البروتين والخضروات الغنية بالألياف. ثانيًا، المواظبة على ممارسة الرياضة، خاصة تمارين الكارديو مثل المشي السريع، وتمارين المقاومة التي تحفز الحرق حتى أثناء الراحة.
أيضًا، النوم الجيد لمدة 7-8 ساعات يوميًا، وتقليل التوتر عن طريق التأمل أو الأنشطة المريحة، يلعبان دورًا هامًا في خفض الكورتيزول وتحسين التمثيل الغذائي. لا تهمل شرب الماء، وراقب محيط خصرك بانتظام. في بعض الحالات، قد يُنصح باستخدام مكملات مثل الشاي الأخضر أو أوميغا 3، لكن دائمًا بعد استشارة الطبيب.

الكرش في ميزان الصحة العامة: لا تتجاهله بعد اليوم
الكرش لم يعد مجرد عبء على المظهر أو عقبة أمام ارتداء الملابس المفضلة، بل أصبح رمزًا لمشكلة صحية عميقة. كل سنتيمتر زائد في محيط خصرك قد يُترجم إلى زيادة في فرص الإصابة بأمراض خطيرة. إن إدراكنا بخطورة دهون البطن يجب أن يدفعنا لاتخاذ خطوات حاسمة تجاه نمط حياتنا. من التغذية، إلى الحركة، إلى العناية بالنوم والصحة النفسية، كلها عناصر مترابطة تؤثر مباشرة على وجود الكرش من عدمه.
قد يعجبك أيضا: انتفاخات تحت العين: أسباب ومؤشرات صحية مهمة
قد يبدو التخلص من الكرش تحديًا كبيرًا، لكن الخطوة الأولى تبدأ بالإدراك والوعي، ثم التحرك بخطوات ثابتة نحو التغيير. جسدك يستحق أن تعتني به، لا من أجل الشكل فقط، بل من أجل حياة صحية خالية من الأمراض المزمنة التي يُمكن الوقاية منها إن بدأنا في الوقت المناسب.
للمزيد من المعلومات الطبية القيمة يرجى متابعة صفحاتنا على السوشال ميديا