تعد القسطرة القلبية واحدة من أهم الإجراءات الطبية الحديثة التي أحدثت ثورة حقيقية في تشخيص وعلاج أمراض القلب والشرايين. فبدلًا من الجراحات الكبيرة وما تحمله من مخاطر وتعافٍ طويل، أصبحت القسطرة القلبية أداة آمنة، دقيقة، وسريعة تتيح للطبيب رؤية شرايين القلب من الداخل، اكتشاف الانسدادات، وفتح الشرايين الضيقة خلال دقائق قليلة. ازداد الطلب على هذا الإجراء عالميًا خلال السنوات الأخيرة نظرًا لارتفاع معدلات أمراض القلب الناتجة عن الضغط النفسي، السمنة، السكري، وارتفاع الكوليسترول. ولذلك يبحث الكثيرون عن معلومات واضحة وموثوقة حول أسباب القسطرة القلبية، كيفية عملها، خطواتها، والمضاعفات المحتملة. في هذا المقال، نقدم لك دليلاً طبيًا شاملًا يضم أحدث المعلومات لمساعدتك على فهم هذا الإجراء بدقة وطمأنينة، مع أسلوب مبسط يجعل القارئ غير المتخصص قادرًا على استيعاب التفاصيل دون تعقيد.
ما هي القسطرة القلبية ولماذا تُستخدم؟
القسطرة القلبية هي إجراء طبي يتم خلاله إدخال أنبوب رفيع ومرن يُسمى “القسطرة” عبر أحد الأوعية الدموية، غالبًا من خلال الشريان الفخذي في منطقة الفخذ أو الشريان الكعبري في اليد، ثم يتم توجيه هذا الأنبوب إلى شرايين القلب باستخدام الأشعة السينية. يُعد هذا الإجراء أحد أهم الوسائل الطبية لتشخيص أمراض القلب بدقة عالية، كما يستخدم أيضًا في العلاج، مما يجعله واحدًا من الإجراءات الأكثر شيوعًا في العالم لعلاج الانسدادات الشريانية.
تكمن أهمية القسطرة القلبية في أنها تساعد الطبيب على رؤية الشرايين التاجية من الداخل، والتأكد من وجود تضيق أو انسداد يؤثر على تدفق الدم. هذا مفيد جدًا خاصةً عند المرضى الذين يعانون من أعراض مثل ألم الصدر، ضيق التنفس، أو نتائج فحوصات غير طبيعية في رسم القلب أو اختبار المجهود. وتُستخدم القسطرة كذلك في تقييم كفاءة عضلة القلب وقياس الضغط داخل حجراته، وهو ما يجعلها وسيلة تشخيصية لا غنى عنها في معظم الحالات التي يُشك الطبيب في وجود مرض قلبي.
وليس ذلك فحسب، بل تُعد القسطرة القلبية اليوم واحدة من أهم طرق العلاج غير الجراحي، حيث يمكن للطبيب خلال نفس الإجراء فتح الشريان المتضيق باستخدام بالون صغير، أو تركيب دعامة تحافظ على سريان الدم. لذلك أصبحت القسطرة القلبية حلًا مثاليًا للعديد من المرضى، خاصةً أولئك الذين يريدون تجنب العمليات الجراحية الكبرى أو لديهم مخاطر عالية تمنعهم من الخضوع لها. وباختصار، فإن القسطرة القلبية ليست فقط وسيلة تشخيص، بل أيضًا أداة علاجية تنقذ حياة الملايين حول العالم سنويًا.

أسباب إجراء القسطرة القلبية وأبرز الحالات التي تحتاجها
هناك العديد من الأسباب التي تدفع الطبيب لطلب إجراء القسطرة القلبية، وهي غالبًا مرتبطة بتشخيص أو علاج أمراض الشرايين التاجية، التي تُعد المسبب الأول للوفاة عالميًا. ويُعد السبب الأكثر شيوعًا لإجراء القسطرة هو الاشتباه في وجود تضيق أو انسداد في الشرايين التي تغذي القلب بالدم. يحدث هذا الانسداد عادة نتيجة تراكم الدهون والكلسترول داخل جدار الشريان، وهو ما يُعرف بتصلب الشرايين.
من أهم الأعراض التي تدفع الطبيب إلى طلب القسطرة: ألم الصدر الذي يزداد مع الجهد ويخف مع الراحة، ضيق التنفس غير المبرر، آلام الرقبة والفك والذراعين، الدوخة، الإغماء، أو نتائج غير طبيعية في تخطيط القلب. كذلك تُجرى القسطرة القلبية للأشخاص الذين يعانون من نوبات قلبية، حيث تساعد في تحديد موضع الانسداد وفتحه بشكل فوري لإنقاذ عضلة القلب من التلف.
كما تشمل أسباب القسطرة القلبية تقييم صمامات القلب، إذ تساعد القسطرة في قياس الضغط داخل حجرات القلب وتحديد شدة ضيق أو ارتجاع الصمامات. وتُستخدم كذلك لدى المرضى الذين يعانون من قصور القلب لمعرفة مدى ضعف عضلة القلب.
وتُعد القسطرة القلبية مفيدة أيضًا قبل إجراء بعض العمليات الجراحية الكبرى، حيث يريد الطبيب التأكد من أن الشرايين التاجية سليمة ولا تحتاج إلى تدخل علاجي مسبق. وأخيرًا، تُستخدم القسطرة لعلاج بعض الحالات مثل فتح الشرايين المسدودة، تركيب الدعامات، علاج تشوهات القلب الخلقية، وإغلاق الثقوب بين غرف القلب.
قد يهمك أيضا: خشونة الركبة: الأسباب الشائعة والعلاجات المتوفرة لتخفيف الألم
كيف يتم إجراء القسطرة القلبية خطوة بخطوة؟
يتم إجراء القسطرة القلبية في غرفة مخصصة تُسمى “معمل القسطرة”، وهي مجهزة بأجهزة تصوير دقيقة تتيح للطبيب رؤية حركة القسطرة داخل الأوعية الدموية في الوقت الحقيقي. يبدأ الإجراء عادة ببعض الفحوصات الروتينية مثل تحاليل الدم، تخطيط القلب، وقياس العلامات الحيوية. ثم يقوم الطبيب بشرح الإجراء للمريض وطمأنته، خاصة أن القسطرة القلبية تُعد من الإجراءات الآمنة نسبيًا.
بعد ذلك، يُخدر المكان الذي ستدخل منه القسطرة سواء في الفخذ أو اليد باستخدام مخدر موضعي. يشعر المريض ببعض الضغط الخفيف لكنه عادة لا يشعر بألم. بعدها يُدخل الطبيب إبرة صغيرة داخل الشريان، ومن خلالها يتم إدخال القسطرة الرفيعة. تُوجه القسطرة بدقة من خلال شاشات الأشعة حتى تصل إلى شرايين القلب.
يتم بعدها حقن صبغة طبية داخل الشريان، وتسمى “الصبغة التاجية”، وهي تساعد الطبيب على رؤية تدفق الدم وتحديد أماكن الانسدادات أو التضيق. وخلال هذا الوقت قد يشعر المريض بدفء بسيط في الجسم، وهو أمر طبيعي تمامًا.
إذا كانت القسطرة تشخيصية فقط، يتم تصوير الشرايين بزاويا مختلفة، ثم تُسحب القسطرة ويُغلق مكان الدخول بضغط مباشر أو باستخدام جهاز إغلاق خاص. أما إذا كانت القسطرة علاجية، فقد يقوم الطبيب بتمرير بالون صغير داخل الشريان المتضيق ونفخه لفتحه، أو تركيب دعامة معدنية تحافظ على مرور الدم بشكل طبيعي.
يستغرق الإجراء عادة ما بين 15 و45 دقيقة حسب نوع القسطرة وحالة المريض. وبعد الانتهاء، يتم نقل المريض إلى غرفة المراقبة لمدة تتراوح بين ساعة إلى عدة ساعات.
أنواع القسطرة القلبية (التشخيصية والعلاجية)
تنقسم القسطرة القلبية بشكل أساسي إلى نوعين: القسطرة التشخيصية والقسطرة العلاجية. ويختلف الهدف من كل نوع، رغم أن الإجراءات الأساسية متشابهة.
أولًا: القسطرة القلبية التشخيصية
يتم إجراؤها بهدف تشخيص مشاكل القلب دون أي تدخل علاجي. تكمن أهميتها في أنها تساعد الطبيب على رؤية الشرايين التاجية بدقة، وتحديد مدى وجود تصلب شرياني، وتقييم كفاءة عضلة القلب، وقياس الضغط داخل حجرات القلب. تُستخدم القسطرة التشخيصية خاصةً عند المرضى الذين يعانون من ألم الصدر غير المفسر أو نتائج غير طبيعية في فحوصات القلب. وهي الخطوة الأولى قبل اتخاذ أي قرار بشأن العلاج سواء كان دوائيًا، دعامة، أو جراحة تحويل مسار الشرايين.
ثانيًا: القسطرة القلبية العلاجية
ويُطلق عليها “التدخل التاجي عبر القسطرة”. يتم خلالها علاج الانسدادات الشريانية من خلال إدخال بالون صغير داخل الشريان المتضيق ونفخه لإعادة فتحه. بعد ذلك تُزرع دعامة (Stent) تساعد في إبقاء الشريان مفتوحًا ومنع انسداده مرة أخرى. وهناك أنواع حديثة من الدعامات تطلق أدوية تمنع رجوع التضيق.
كما تشمل القسطرة العلاجية عمليات أخرى مثل:
- علاج اضطرابات ضربات القلب من خلال الكي بالقسطرة.
- توسيع الصمامات الضيقة.
- إغلاق الثقوب بين حجرات القلب لدى الأطفال والبالغين.
وتتميز القسطرة العلاجية بأنها بديل آمن وأقل خطورة من الجراحة المفتوحة للقلب، كما يحتاج المريض بعدها فترة تعافٍ قصيرة للغاية مقارنة بالعمليات الجراحية التقليدية.
مضاعفات ومخاطر القسطرة القلبية وكيفية تجنبها
على الرغم من أن القسطرة القلبية تُعد من أكثر الإجراءات الطبية أمانًا، فإنها مثل أي تدخل طبي تحمل بعض المخاطر المحتملة، وإن كانت نادرة جدًا. وتزداد هذه المخاطر لدى كبار السن، مرضى السكري، من يعانون من ضعف شديد في عضلة القلب، أو المصابين بأمراض الكلى.
من أهم المخاطر المحتملة:
- النزيف أو التورم في مكان إدخال القسطرة، خاصة في منطقة الفخذ. يحدث ذلك في نسبة صغيرة من المرضى ويمكن السيطرة عليه بسهولة.
- الحساسية من صبغة الأشعة، ويظهر ذلك بشكل طفح جلدي أو صعوبة تنفس، لكنه نادر ويتم تجنبه بإعطاء أدوية وقائية مسبقًا.
- اضطراب ضربات القلب المؤقت نتيجة ملامسة القسطرة لعضلة القلب، لكن غالبًا ما تعود ضربات القلب لطبيعتها خلال ثوانٍ.
- تأثير الصبغة على الكلى لدى المرضى الذين يعانون من قصور كلوي، ولذلك تُعطى محاليل وريديّة قبل وبعد الإجراء لتقليل هذه المشكلة.
- في حالات نادرة للغاية قد يحدث جلطة صغيرة أو انسداد شرياني، وهي نسبة لا تتجاوز أقل من 1%.
لتقليل المضاعفات لأقصى حد، يتم تقييم المريض جيدًا قبل القسطرة، ومراجعة الأدوية التي يتناولها، وعلاج أي مشاكل مثل سيولة الدم أو ارتفاع السكر قبل الإجراء. كما يُنصح المريض بشرب كميات كافية من الماء بعد القسطرة للمساعدة في التخلص من الصبغة من الجسم. وتُعد الخبرة العالية للطبيب أحد أهم العوامل التي تقلل المخاطر بشكل كبير.
للمزيد من المعلومات الطبية القيمة يرجى زيارة صفحاتنا على السوشال ميديا

